بالموازاة مع انفتاح المجتمع.. المكون التقليدي مازال حاضرا في الأسر المغربية (دراسة ميدانية وطنية)

شاركي:

حددت الدراسة الميدانية الوطنية حول القيم وتفعيلها المؤسسي: تغيرات وانتظارات لدى المغاربة، التي أنجزها مجلس النواب، أهم التغيرات القيمية التي حصلت في المجتمع المغربي الراهن.

وتهدف الدراسة إلى معرفة اتجاهات وانتظارات المواطنين بخصوص مدى تفعيل القيم في المؤسسات العمومية والخاصة والمدنية من قبيل الأسرة، والمستشفى، والمدرسة، والمقاولة، والإدارة، والجامعة، والمؤسسة الأمنية والإعلامية.

وبخصوص الأسرة، كشفت الدراسة أن المكون التقليدي مازال حاضرا، وذلك بالموازاة مع انفتاح المجتمع المغربي، ورغبة كثيرين في حياة ممتدة ومنفتحة.

المكون الأسري التقليدي مازال حاضرا

وبحكم أن الأسرة هي الفاعل الأول في التنشئة على القيم، تم البدء في الدراسة أولا، بالنظر في مدى تغير القيم المرتبطة بها، وفي مدى تفعيلها في علاقة أعضائها ببعضهم البعض.

وتبين على هذا الصعيد، أن المكون التقليدي ما زال حاضرا بقوة في التربية الأسرية، والمتمثل في استمرار تثمين تنشئة الأطفال على قيمة طاعة الوالدين، وفي علاقات التضامن بين أعضائها التي قادت المغاربة إلى تأييد تكفل الأبناء والبنات بالرعاية الطويلة الأمد بآبائهم، وكذا واجب تضحية الآباء من أجل أطفالهم، وتقديم الأسرة لأعضائها الرعاية اللازمة عند الإصابة بالمرض، أو بلوغ مرحلة الشيخوخة والعجز، وتكفل الأسرة بالبنت التي تأخرت عن الزواج، وكذا بالمرأة التي تعرضت للطلاق أو الترمل.

وجاء في الدراسة ذاتها، أنه يمكن في هذا السياق إضافة التعبير عن أهمية تربية الأطفال على بعض القيم الأخلاقية الأساسية، مثل الصدق والاحترام، مؤكدين تطلعهم إلى الاستمرار في التشبث بهذه المكونات الأساسية للثقافة التقليدية المغربية.

كما أن انتظار الأفراد تلقي مساعدة مالية من الأسرة لخلق مقاولة، أو توسط الأسرة لفائدتهم في البحث عن عمل مأجور، ما زال هو أيضا يدرج ضمن أشكال التضامن المتوقعة من الأسرة.

أما انتظار تكفل أقرباء من العائلة بحراسة وتربية أطفال صغار عند خروج الآباء للعمل، أو لقضاء أغراضهم، فما زال يحظى بالتأييد، ولو بنسبة أقل مما سجل من تأييد بخصوص الانتظارات المشار إليها أعلاه، بسبب تصدر البنية الأسرية النووية، وتباعد المسافات بين الأقرباء.

انفتاح المجتمع المغربي

إلا أنه بموازاة المكون الأسري التقليدي، بدأت الأسرة المغربية تشهد تنامي بعض مؤشرات الفردانية في نطاقها، والتي نتجت عن انفتاح المجتمع المغربي على الحداثة في ميادين بناء هياكل الدولة، وتشييد البنى التحتية، واتساع نطاق العمل المأجور، وانتشار التعليم والمؤسسات الصحية والإعلامية الكلاسيكية والجديدة، وخروج المرأة للفضاء العام ومشاركتها في الحياة العامة، والهجرة، والتحضر.

وفي هذا السياق الجديد، يلاحظ أنه إذا كانت قيمة الطاعة تعلو، فيما تحظى به من تأييد على قيمة التفاهم عندما يتعلق الأمر بالعلاقة القائمة بين الأطفال والوالدين، فإن الكفة تنقلب لصالح قيمة التفاهم عنما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الكبار والصغار في الأسرة، وخصوصا بالعلاقة بين الزوجين، حيث يصير التفاهم القيمة الأكثر تأييدا.

حياة أسرية منفتحة وممتدة

وبخصوص القيم التي يتعين تنشئة الأطفال عليها، يتم تفضيل قيم مدعمة لسيرورة الفردانية، مثل المسؤولية، والتسامح، واحترام الآخر، والاستقلالية والعمل بجدية، على أنه لم يتم اختيار التربية على المساواة بين الجنسين وتجنب الأنانية سوى من لدن نسبة محدودة من المجيبين.

وبالنظر إلى أن تنمية المجتمع تقتضي تقليص الفوارق بين الجنسين ومراعاة مشاعر وحاجيات الآخرين، نرى أنه من اللازم تكثيف التوعية بأهمية قيم المساواة والغيرية وتنشئة الأطفال عليهما.

وينتظر أغلب المجيين في الدراسة، ألا تقل الحياة الأسرية محصورة في المجال المنزلي، بل أن تصير منفتحة وممتدة نحو الفضاء الخارجي، في شكل خرجات جماعية أسبوعية في الأغلب أو شهرية عند الضرورة. وتتعدى نسبة المعبرين عن هذا الانتظار بالنسبة للأسرة ثلاث مرات نسبة المعبرين عنه بالنسبة لجماعتي الدراسة والعمل.

الأسرة.. ملجأ النساء المعنفات

وعندما تتساءل حول المؤسسات والأطراف التي يمكن أن تلجأ إليها المرأة لحماية نفسها من عنف زوجها نجد أن المجيبين يضعون على رأس القائمة الأسرة، وبوجه خاص، الحوار مع الزوج مقترف الجرم، ثم أحد أفراد عائلة الزوجة.

وقد مثلت نسبة المقترحين لهذا الحل الأسري أكثر من ضعف نسبة المقترحين للحل الأمني والقضائي.

ويرى القائمون على الدراسة، في تفضيل الحل الأسري على الحل السلطوي دعوة ضمنية موجهة للقضاء، من خلال واجهة الأسرة، كي يقوم بتأطير ودعم الوساطة الأسرية التي بدونها سيكون من الصعب ضمان فعالية الحوار في نطاق الأسرة. ومن المثير للانتباه أن من اقترحوا اللجوء للجيران والأصدقاء لا تتعدى نسبة كل منهم %0.9.

ومن المفاجئ كذلك أن من اقترحوا اللجوء للجمعية لا تتعدى نسبتهم 5%، بالرغم من أن عدد الجمعيات النشطة في هذا الميدان ليس بقليل.

وتعني مثل هذه الاتجاهات المعبر عنها تجاه الجيران والأصدقاء، والجمعيات، أن الأسرة تنكمش على نفسها، وتفقد الثقة، أو على الأقل، تضع لنفسها حدودا مع أشخاص كانوا إلى عهد قريب ملجأ بقصد المشورة والمساعدة، وإزاء مؤسسات تتطوع وتتضامن خدمة للنساء ضحايا العنف.

مواضيع ذات صلة

لديك أفكار فيديوات ومقالات أخرى ؟ إبعتي لنا اقتراحاتك و أفكارك