كافحت من أجل أبنائها.. قصة السعدية بائعة الفطائر في الرباط

شاركي:

تحت سقيفة عربة خشبية تقيها أشعة الشمس، تقتعد السعدية مقعدا بلاستيكيا إلى جانب أخريات وسط أحد الفضاءات التجارية بالعاصمة، وقد عرضت أمامها فطائر متنوعة تبدو عليها عصارة خبرة تراكمت على مر السنين. نظراتها تستطلع مدى رغبة المارة جيئة وذهابا في اقتناء فطائرها. بين الفينة والأخرى تلفت انتباه العابرين إلى سلعتها بدعوتهم إليها وترغيبهم فيها.

روتين يومي

دأبت السعدية على هذا الروتين اليومي منذ أكثر من 20 سنة، لم يزدها تعاقب الشهور والسنين إلا جلدا وتمرسا في مواجهة تقلبات الحياة. كونت مع مرور السنوات « زبناء » يترددون عليها بانتظام، صباح مساء، لاقتناء ما تبدعه يداها، وكونت مع جاراتها في الفضاء الذي اتخذنه لعرض سلعتهن أسرة مصغرة، تحكي كل واحدة منهن ما يعرض لها ولأهلها والمحيطين بها في مسيرة الحياة وما يعتريها من تقلبات ومستجدات.

السعدية واحدة من كثيرات من الأرامل ممن أنفن أن يعشن عالة على الآخرين، بل شمرن عن سواعدهن لتوفير لقمة العيش في غياب معيل يغنيهن مؤونة الخروج من البيت لتدبر ما يسد الرمق ويغني عن السؤال.

تقول السعدية إن عشقها لصنع الفطائر بمختلف أنواعها (رزة القاضي، البغرير، المسمن،…) تكو ن لديها منذ نعومة أظافرها، وكبر معها هذا العشق الذي تحول إلى حرفة نفعتها في « اليوم الأسود ». وهنا تحديدا تأتي نصيحتها للشابات والشبان بالإقبال على تعلم حرف ومهن بالموازاة مع الدراسة، وهو ما قد يحدد توجهاتهم في المستقبل انطلاقا مما اكتسبوه وراكموه من خبرة وتجربة، أو قد يدر عليهم مداخيل إضافية.

فراق الزوج

تتذكر السعدية، التي لم يكتب لها أن تكمل دراستها الثانوية لظروف خاصة، زواجها صيف 1985 من شاب كان يمارس التجارة. أنجبت منه بنتا وابنا خطا مسيرتهما في دروب الحياة. تزوجت البنت وانتقلت للعيش في مدينة أخرى، بينما انتقل الابن بدوره للعمل في إحدى مدن شمال المملكة وكون هناك أسرة.

تقول السعدية في هذا الصدد: « بقدر ما تحزن لفراق الأبناء، بعد فراق الزوج، بقدر ما تسر لرؤيتهم يشقون مسار حياتهم بنجاح واستقرار ويكونون أسرا. فالمحنة في طيها أحيانا منحة ».

قد يستغرب المرء كم تجنيه السعدية من هذه التجارة البسيطة. تجيب بابتسامة لا تفارق محياها تنم عن قناعة ورضا بما تدره عليها الفطائر، على تواضعه ومحدوديته: « أكسب في اليوم دراهم معدودات تزيد وتنقص حسب الإقبال اليومي، ولكن ‘البركة’ موجودة ولله الحمد. يكفيني أن هذه التجارة تسد الرمق وتغنيني عن السؤال حتى ينتهي الأجل ».

تفاؤل وأمل

وأنت تغادر السعدية تستطلع في نظراتها أملا وتفاؤلا وقناعة لا تخطئها العين .. لا تحمل هم المستقبل ولا يخالجها أسى على ما فات، كأنما الحياة عندها يوم واحد متكرر لا تكدره منغصات. تقول إنها تروح إلى بيتها مساء سعيدة قانعة بما حص لته.

تتقاطع قصة السعدية في بعض من جوانبها وتفاصيلها مع قصة الضاوية. تجلس هذه العجوز الطاعنة في السن على كرسي خشبي في قارعة أحد شوارع حي كبير من أحياء العاصمة خلف ملابس نسائية ورجالية متنوعة. تمتشق سبحة تحرك عقدها بسبابتها وإبهامها في حركة متواصلة. من المارة من يسأل عن الثمن ويساوم ويقتني ما بدا له، ومنهم من يسأل وينصرف.

هي نماذج لقصص أرامل كثيرات اضطرتهن ظروف الحياة القاسية إلى تدبر ما يعلن به أنفسهن وأبناءهن. قد تختلف القصص في بعض من جزئياتها، لكن قاسمهن المشترك بساطة وتواضع وصبر وإصرار على مواجهة تكاليف الحياة بما تيسر، وقناعة بما تدره عليهن تجارة متواضعة لا تغنيهن بالتأكيد لكنها تعفهن عن السؤال.

المصدر: وكالات

مواضيع ذات صلة

لديك أفكار فيديوات ومقالات أخرى ؟ إبعتي لنا اقتراحاتك و أفكارك